النكتة السياسية.. وشر البلية ما يضحك!
دعا جورج بوش توني بلير إلى الغداء، وبعد أن شبعا التقيا عدداً من الصحفيين اللذين كانوا بانتظارهم لمعرفة ما تمخض عنه اجتماعهم المطوّل..
بادر الصحفيون بالسؤال التالي: ماذا قررتم أن تفعلوا الآن بعد اجتماعكم؟، قال بوش: قررنا قتل 20مليون مسلم وطبيب أسنان واحد، فلم يكن من الصحفيين سوى أن دهشوا ونظروا إلى بعضهم البعض والكل صار متلهفاً لمعرفة الإجابة على سؤال مفاده.. لماذا طبيب أسنان واحد بالذات؟؟..
بوش ضحك وهمس في أذن بلير :"ألم أقل لك أن أحداً منهم لن يهتم بالـ(20) مليون مسلم!!.
سرعان ما يتحول موقفٌ تطرحه أي حكومة في العالم إلى نكتة ترددها ألسنة العامة فتنتقد بها ما لا يعجبها من قراراتٍ وإجراءات، سواءً على المستوى الداخلي للدولة أو على مستوى دول الجوار.. ومن هذا المنطلق كان السؤال (هل يتعامل أصحاب النكتة السياسية معها على أنها حديث عارض ينتهي بابتسامة؟ أم أنها نقمة على أي حكومة وخطوة في سبيل التحريض ضدها؟).. الإجابة عن السؤال والتقرير التالي:
تفريغٌ للضغط
شيرين الحصري (35)عاماً قالت :"النكتة السياسية تعبير عن الشارع العربي بكل فئاته، فهي تعبير عن الفقر، ورفض الحكام، ونقد سياساتهم ، وتعبير عن البطالة وغير ذلك وغيره، ولعل هذا يبرر انتشار النكتة السياسية من دولة عربية إلى أخرى بسرعة البرق، على أن يقوم شعب كل دولة بتحويرها لتناسب طبيعة الحكم لديه".
بينما يرى أحمد منصور(25)عاماً، أنه وكلما ازداد إحساس المواطن بالقهر، كلما بدأ بالبحث عما يخفف من شعوره هذا، "فالمواطن المغمور يريد أن يفرغ عن نفسه جراء ما يعانيه من ظلم وكبت وإحباط من قبل قوات الاحتلال من جانب والمتنفذين والمفسدين في الحكم من جانب آخر، "وهو يأمل من خلال هذه النكتة التغيير والخلاص من الظلم والجور".
المواطن المغمور يفرغ عن نفسه جراء ما يعانيه من ظلم وإحباط من قبل قوات الاحتلال من جانب والمتنفذين والمفسدين في الحكم من جانب آخر، "وهو يأمل من خلال النكتة التغيير والخلاص من الظلم والجور
وأوضح علي تايه (30) عاماً أن "إطلاق النكات السياسية لا يعني الاعتراض على نظام الحكم، لكن الهدف الأكبر لها هو التفريج عن الهموم، ولذلك لا بد للإنسان أن يتصنع الابتسامة التي يتداولها الجميع حتى وإن كان في أعماقه يبكي".
"لمجرد التعليق لا أكثر"
(النكتة السياسية) تتحرك في اتجاهين أحدهما معلن والآخر سري، فهي تتصف بالصراحة كونها تقال وتنتشر بعلانية وإن كانت محدودة، وسرية لأنها فعلٌ متواطئٌ عليه بين قائلها ومستمعها.. الذي بدوره سيصبح قائلاً لها لاحقاً.
د.وليد شبير رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية, يؤكد أن العامة تطلق مثل هذه النكات على السياسيين وأصحاب القرار إذا أحسوا بتقصيرٍ منهم إزاء مهامهم، أو تجبّرهم في قراراتهم المتخذة بحقهم"، مشيراً إلى أن الهدف الأول منها أغلب الأحيان لا يتعدى كونه لشغل وقت الفراغ أو التنفيس عن الضغط أو مجرد التعليق لا أكثر.
ويوضح في الوقت ذاته أن كافة الأخطاء السياسية وعمليات القمع التي تنسب لأي نظام حكومي، لا تفتأ تكون تحت رصد ومعاينة الوعي السياسي الجماهيري، قائلاً:"يحتم على الفرد أن يكون له رأيه في جميع ما يحدث من مجريات سياسية ويخضعها للنقد والتحليل ويتخذ موقفاً تجاهها نتيجة اتصاله اليومي مع الآخرين".
وعليه فإن النكتة السياسية حسبما يشير د.شبير كانت رأياً في الظاهرة السياسية لأن قائلها مارس وبوعي نقداً أو استهجاناً لبعض ما يراه مما لا يمت للمصلحة العامة بصلة، مضيفاً:" قائل النكتة السياسية إنسانٌ يعي الأخطاء ويفسرها، وبناءً عليها تشكل النكتة لديه جزءاً من المعارضة، وعنصراً من عناصر التصادم مع النظام الحاكم".
مقارعة النظم المتسلطة
من جانبه يؤكد المحلل السياسي أ.نهاد الشيخ خليل أن شريحتين من أبناء المجتمع يطلقون النكت السياسية أولهما (المقهورون)، لافتاً إلى أنهم يطلقونها ليقللوا من همومهم ويوصلوا معاناتهم للسياسيين وصنّاع القرار، أما الأخرى فهي المعارضة التي تستغل النكتة من أجل تسخيف الحكومة والإقلال من شأنها بتوجيه الرأي العام من أجل الاعتراض على جهة معينة، موضحاً أن الفئة المستهدفة من مثل هذه النكت هي الرأي العام، "لا يمكن لهذه الظاهرة أن تتوقف طالما استمر الضغط السياسي من قبل صناع القرار على الرأي العام"، يضيف أ.الشيخ خليل:"وهذا ما لا يمكن أن يحدث على الإطلاق".
يطلق المقهورون "النكتة السياسية" ليوصلوا معاناتهم للسياسيين وصنّاع القرار، وتطلقها المعارضة التي تستغلها في تسخيف الحكومة والإقلال من شأنها وتوجيه الرأي العام نحو الاعتراض عليها
ويتابع :"النكتة السياسية واحدة من أساليب المعارضة والمقارعة لأي نظامٍ متجبّر، يطلقها أصحابها حال الخوف من بطش وجبروت العاملين في الساحة السياسية، من باب كونها (أضعف الإيمان)"، مشيراً إلى أن بعض الحكومات العربية تقلق من مثل هذه الظاهرة كما تقلقها غارة يشنها عليها الأمريكان، لا بل وتعاقب عليها كمن يرتكب جرماً لا غفران له.
بينما لفت المحلل السياسي طلال عوكل إلى وجود نوعين من النكت السياسية، الأولى هي (الشعبية) لأنها تعبر عن رأي العامة، والثانية (المؤنسة) التي تأتي في سياق الحملات الإعلامية، قائلاً:"غالباً ما تأخذ هذه النكات الطابع السلبي، ومن الممكن أن تتحول إلى إشاعة نتيجة الخلط بينها وبين الخبر والسبب هو دخول (الاستئناس) على خط النكتة"، موضحاً أن النكتة السياسية ظاهرة سريعة الانتشار والتأثير لكونها شفوية، ومقبولة نفسياً، ولأن المخاطرة فيها أقل من استخدام وسائل المعارضة السياسية الأخرى.
يشار إلى أن بعض الأنظمة العربية –الاشتراكية والبعثية على وجه الخصوص- تعتبر النكتة السياسية من الجرائم التي تمس أمن الدولة ويعاقب عليها، فيما تخصص شعبة في كل الأجهزة الأمنية لمتابعة انتشار النكتة في الشارع ووضع النكات المضادة لها كونها تفضح وتنتقد النظام الحاكم.
الشرع يحرمها!
وعلى صعيد مختلف يشير الشيخ عبد الكريم الكحلوت مفتي غزة السابق إلى أن النكات السياسية حرام شرعاً، مستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ويلٌ للرجل الذي يقول الكلمة ليضحك بها الناس).
نكات عديدة أطلقت بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، ومنها ما تحدث عن نيتها تغيير قانون العقوبات وفرض نظام إسلامي صارم ومنع الغناء أو الاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام وقنوات المنوعات
وينوّه الكحلوت إلى النكات التي يتداولها الفلسطينيون في مختلف المجالات –وتحديداً تلك المتعلقة بالأمور الدينية- مشيراً إلى أن التندر على تطبيق الشريعة الإسلامية أمر غير لائق، وقد يوقع الإنسان في الحرام وهو لا يدري، ويقول:"كثيراً ما حدث ذلك في مجتمعنا الفلسطيني خصوصاً بعد تحول الحكم إلى يد حركة إسلامية وفي غزة على وجه الخصوص".
يذكر أن عدداً من النكات أطلقت بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، ومنها ما تحدث عن نية الحركة المذكورة تغيير قانون العقوبات وفرض نظام إسلامي صارم ومنع الغناء والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام وقنوات المنوعات، بينما تم تناقلها عبر أجهزة المحمول، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه.. هل هناك فرق بين من يرسم صورة يستهزئ بها على الإسلام، وآخر يطلق العنان للسانه وجواله المحمول ساخراً من أمور دينية بحتة كإطلاق اللحية وتطبيق شرع الله؟.
هل يجرم القانون مخترع النكتة بتهمة القذف أو السب العلني أو التحريض والتشهير؟ المحامي عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان يقول:"إذا كانت النكتة عامة، ولا تطلق ضد شخص معين ويكون هدفها النقد البناء فهي ليست مجرَّمة قانوناً، أما إذا كانت تهدف إلى التجريح والتحقير لتصنع نوعاً من التفريق، هنا تجرم، وتعد سباً وقذفاً"، متابعاً بقوله:"النكتة هي لسان حال الشعب العربي لأنه لا يملك أن يوجه انتقاداً للحاكم فيلجأ إلى الأخفّ سبيلاً".
قد نبتسم إذا ما تذكرنا بعض الطرائف والهزليات التي تطلقها ألسنة العامة اعتراضاً على قرارات أو سياسات أو إجراءات تتخذ بحقه ولا توفيه حقه... هذه هي النكتة السياسية.. وهؤلاء هم العامة الذين ساروا خلف الحكمة القائلة (شر البلية ما يضحك)..
المصدر: فلسطين