نظرت حولها وهي تتفحص المكان، إنها نفس الزوايا .. لا تزال تحمل نفس العطر ، عطر أيام خلت
عندما كانت تتسلق جدار ذلك السطح وتنظر إلى أسفل حيث سطح الجيران ، تخيلت أول مرة عندما سمعت أصوات
الجيران الجدد وأخذها الفضول فراحت تتلصص عليهم كان هناك بينهن يساعدهن في الواجبات المدرسية
كان الأخ الوحيد بين أربع بنات وأكبرهن ، كانت تعجب كثيرا بطريقة حديثه معهن.
وفي ليالي الصيف كانوا يتسامرون وتسمع ضحكاتهم ، لن تنسى ذلك اليوم حيث إكتشفوا وجودها
لقد كانوا كالعادة ملتفون حول مائدة صغيرة وكانت والدتهم تعد الشاي وهو يحكي لهن بعض الطرائف
لم تمسك نفسها من الضحك فسمعوا قهقهتها ونظر الجميع دفعة واحدة فوق ليروا خيالا يراقبهم في الظلام
اظطرت لتلقية التحية عليهم بخجل وانسحبت بسرعة ..
لم تنم ليلتها ...ولا الليالي التي بعدها، لقد كانت تمضي معظم وقتها فوق السطح لكي تراه أو تسمع صوته من خلف الجدار ..
كانت معجبة جدا به وبطريقة تعامله مع أخواته لم تسمع له صوتا عاليا ولم تراه قط ينهر إحداهن,
أو يأمرها ، كان الأب والأخ والصديق لهن بعد وفاة والدهن، وهكذا فقد كان يمضي وقته بعد عمله معهن فوق السطح
حيث استأجرا تلك الغرفتين بدون مطبخ ..
انهالت عليها الذكريات كالسياط تجلدها . أغمضت عينيها وهي تحاول أن تتسلق الجدار كما كانت تفعل في الماضي
ولكنها لم تستطع ..! انهارت باكية وهي تتذكر كلماته لها عندما غابت والدته وأخواته عن البيت فصعدت كعادتها
وجدته جالسا يستند إلى الحائط الذي تطل منه عليهم أرادت أن تنسحب عندما وجدته وحيدا ولكنه فاجأها بقوله :
لا أحد هنا اليوم ، أشعر بالفراغ بدونهن لم أتعود أن يغبن عني ..
احمرت وجنتاها فقد أحس بوجودها غمغمت: وهل سيتأخرن؟
أجاب : نعم أسبوعا كاملا ذهبن لزيارة جدي في الأرياف إنه مريض كنت سأذهب معهن لولا أنهم رفضوا منحي أجازة في العمل
سألته في شيء من الفضول: لماذا لا تنظر إلي وأنت تكلمني هل تخجل؟
قال وهو جالس في نفس الوضعية وأصابعه تلاعب بعضها: بل خائف..!
استغربت من كلامه واعتقدت انه يسخر منها فكيف لرجل في عقده الرابع أن يخاف من فتاه في العشرين
قال بعد أن تأخر ردها: أخاف أن أتعود على النظر إليك، أتعلمين لقد أحسست بوجودك منذ أول يوم
كنت أتعمد تجاهلك لكي لا تكفي عن النظر إلينا ، كنت أشعر بك بين أخواتي تشاركيننا الطعام والحديث
كنت أشعر بأنفاسك ...
دارت في المكان وتساءلت عماذا تبحث ؟ هل تبحث عنه بعد كل تلك السنين؟
أو جاءت لتبحث عن نفسها التي ودعتها يوم سلمتها أخته رسالته عندما سمع برفضها لكل من يتقدم لخطبتها أمرها أن تتزوج واستحلفها بحياته
وقال لها: ....لقد فات الآوان وليس لدي شيء أقدمه لك لقد وهبت البقية من عمري لأخواتي
ويوم ستتزوجين وأراك تتأبطين ذراع عريسك سأفرح كما سأفرح لإحداهن..!
تزوجي يانادية كي لا يفوتك قطار العمر كما فاتني ولا تنتظري أن يزهر الشجر في فصل الخريف فذلك لن يحصل ولن يزهر عمري مرة أخرى ، اذهبي لكي لا تذبلي بقربي..!
شعرت بدموعها تلتقي عند ذقنها الصغيرة فعادت لوعيها ، لذلك الواقع الذي دفعها إليها القدر.
الآن فهمت لماذا لم يكن ينظر إليها عندما كان يتحدث إليها..! وكيف كان يشعر بأنفاسها وهي مختفية وراء الحائط نفس الحائط الذي لم يحاول هو أبدا تسلقه, أو النظر إلى ما فوقه،
وكان أول مرة يتجرأ فيها ويصعد لينظر إلى الخارج يوم تأبطت ذراع عريسها ليودعها بكلمات لم يسمعها سواها....
..